الواحة

مع مراعاة فرق التوقيت

تقام العلاقات الإنسانية بين البشر على مبدأ "خد وهات"  وأحياناً يكون العطاء بدون أنتظار مقابل سواء مادى أو معنوى .... وفى حالات أخرى قد لا تتساوى الكفتين بين ما يبذله الشخص من جهد وعمل واهتمام معنوى قبل أن يكون مادى دون أنتظار للمقابل ودائماً فى هذه الحالات نلتمس الأعذار لمن حولنا وأن الظروف والمبررات تكون حاضرة فى أذهاننا أن جايز الظروف منعته أو شغلته أو لم يكن يقصد هذا التصرف أوذاك وقائمة طويلة عريضة من الشخص المعطاء دائما إلى حين يتوقف هذا الشخص فجأة ودون مقدمات ليسأل نفسه إلى متى سيكون العطاء بدون مقابل أو تقدير أو أصلاح فى سلوك الغير!!!!!!  
وطول ما أحنا عايشين الحياة بحلوها ومرها  هتعدى علينا مواقف وأزمات نتتعلم منها ، وانفراجات تمنحها العناية الألهية لنا...  وأشخاص تقابلها فى حياتك الابتعاد عنهم غنيمة وناس تانية هبة من الله ، لأن وجودهم فى حياتك هى من يمنحها الحياة نفسها ....... وعلينا دائما أن نتعلم من تجارب الأخرين لعل وعسى نستفيد بحكايتهم التى قد تكون هى نفس حكايتنا ............. 
وحكاية من الحكايات ...
فى صباح يوم جديد ولكن ليس بجديد على الأب الوحيد ..فالأيام شبه بعضها واللى يتعمل النهاردة بيتكرر بكره .. والزمن بيجرى  ..... ولكن لا يخلو الحال من أن يشغل الأب الوحيد نفسه ببعض طقوس وعادات يومية بحثاًعن المتعة والتسلية ، حتى لوكانت أشياء بسيطة روتينية... فلحظات تأمل أشراق كل صباح مع كوب من الشاى الدافىء .... ومتابعته وأهتمامه بكل ما يشاهده من أحداث الصباح فى التليفزيون ..... والسعادة مع كل رنة تليفون ممن تبقى من  الأقارب والأصدقاء ....... وابتسامة عريضة تملء وجهه وهو يتصفح البومات الذكريات ، ويتوقف عند كل صورة محاولا تذكر تفاصيلها ليزداد سرورا وفرح وهو يرى شريط ذكرياته يعدى أمام عينيه التى تملئها الشوق للذى كان .... فالتى كانت تشاركه فرحة أيامه وحياته قد رحلت وتركته وحيداً من بعدها ........ واستمر الحال لفترة ليست بطويلة ، من زيارات اولاده بعد رحليها كما هى كل خميس ... اللمة الحلوة مع الأولاد والأحفاد مفيش أحلى من كده ، وأصبحت أيام الأسبوع تجرى بالأب سريعاً لا يحسبها من عمره ،  إلا أن يأتى يوم الخميس الذى يقوم بالأستعداد له كما كانت تفعل زوجته بحب وسعادة ودون الشعور بالتعب أو كثرة طلبات الأحفاد ... طبعاً طلباتهم آوامر مجابة على طول الخط ............. وأكتفى الأب بما يمنحه اولاده من وقت وأهتمام وأصبح كل خميس هو عودة الروح له راضياً بالساعات القليله وكلهم حواليه ...............
إلا أن بدأت برود المشاعر فى التسلل فى القلب والتمكن من عقل وقلب زوجة الأبن وزوج الأبنة ...وأصبح التملل وتُقل المشوار على القلب دون مواربة أو خجل وكلام "مش ضرورى كل أسبوع " و"اشمعنى عند أهلك مش أهلى" وأنا تعبان الأسبوع ده" وشوية بشوية بقى كامل العدد أصبح أمر صعب المنال ...ومره الأبن لوحده أو الأبنه لوحدها  والوالد منتظر لمة زمان متظاهراً باقتناعه بالأسباب والحجج التى لا تنتهى لعدم الحضور ...لأن فى حاجات تتحس فقط مينفعش تتطلب ..... الأب محتاج حقيقى للحب والرعاية والأهتمام ، واحساس أنه مش لوحده ... ودايما على لسانه إن أيامكوا جايه وأنا أيامى رايحة .....ولكن لا زال الأب منتظر اللمة ولكن فى إباء لأنه لا يستجدى الأهتمام ..... واولاده فى دنيا تانية تجرى بيهم الأيام إلى أن يفيقوا على أن وقت الرحيل قد حان وذهب الأحباب  إلى عالم آخر .
.......................
الحكاية الثانية عن واحد من الناس تراهم كثيراً فى مجال العمل ، الذين يحبون عملهم لدرجة تقديسة وتقديمه عن أى حاجة فى الحياة ودائما تكون رحلة حياته مع العمل محل تفاخر وتباهى .. وأن لكل مجتهد نصيب وأن كل اللى وصله يستحقه عن جدراة ... ويتمنى أن يكرر نفس مشواره مع اولاده ... وكان دائم التبرير عن غيابه المستمر عن بيته وزوجته وعياله وهم فى آمس الحاجة للتشبع بالحنان والأهتمام  ، فلم يكن متواجد بالقدر الكافى ..  فقد متعة أن يكبروا سنة ورا سنة أمام عينيه... لم يرى طفولتهم البريئة ولم يستمتع بمداعبتهم ولم يرى بكاءهم وفرحتهم ..... لم يُشبعهم بحنانه وأهتمامه ... لم يعلمهم شيء فقد كان طوال الوقت محفظة فلوس مش أكتر !!!!!!!!! وكان دائم القول أن كل اللى بيعمله  كان لرفع شأن الأسرة المادى ...... ولكن هذا كان وراءه طموح جارف و حصان بيجرى دون لجام وسقف بلا حدود وأصبح حلم أمتلاك سيارة ليه ميكونش اتنين وحلم الشقة ليه متبقاش أوسع وهكذا .........
هنا تركنا الأيام تسحب انسانيتنا وبعد سنوات طويلة يتأمل نفسه وحيداً  غريباً فى بيته ....حواليه أسرته بس هما فى دنيا تانية هو مش موجود فيها ..... يحاول أن يتذكر هو كان فين وعياله بتكبر وتتشكل شخصيتهم... ذاكرته لا تسعفه إلا من صور قليلة ، كل صلته ومتابعته لهم كانت بالتليفون وفقط ... والذهاب للبيت على النوم بعد يوم شاق وطويل  ... إن السعى الدائم للوصول والحصول على رفاهية أفضل وأحنا ماشين بنفقد الهدف الاساسى وهو الحصول على السعادة وكل شيء بيتوه مننا ...... عليك أن تحسبها صح وبلاش نفُوق فى التوقيت الغلط فالأهم تحقيق حياة سعيدة ، وحولينا ناس بنحبها مش الحياة لتحقيق صورة زائفة امام الناس وخلاص....... وعند الاختلاء بالنفس .... تظهر اوجاع القلب وتنهيده من الأعماق ياريت الزمان يرجع  ... ولكن الزمن هيكون سابقنا وجرى بينا....... لماذا لا نفك قيد أنفسنا بانفسنا ونحررها من  القيود قبل فوات الأوان .
......................
أما الحكاية الأخيرة فهى عن أتنين أصحاب من أيام المدرسة والجامعة وهما فى شلة واحدة ولأنهم كان جيران وشبه متلازمين طوال الوقت وقعدتهم كلها قفشات وضحك من القلب وكبروا مع بعض وتخرجوا وهم فى نفس شلة الأصحاب ....... وحصل أحدهم على وظيفة والأخر أصر على العمل فى الأعمال الحرة كارهاً أن يكون موظف على مكتب منتظر المرتب كل أول شهر وتزوج كل منهم بعد سنوات قليلة  وهنا بدأت بوادر أختلاف المستوى المادى بينهم ولأنهم فى شلة أصحاب كبيرة ظلوا شلة متماسكة على اختلاف عيشتهم وحالهم المادى ............... وفى أحد اللقاءات بدى على الموظف وهو يفضفض لصديقه صاحب الأعمال على ما يألمه ويشغل باله أن والدته فى المستشفى منذ عدة أيام وأن ما كانت تدخره قد نفذ وما تبقى معه قليل لن يسعفه على الاستمرار فى دفع فواتير علاجها بالمستشفى فكان الصديق منصت جيد وأبدى تأثره بهذاه الظروف مع قول كلمات التشجيع والتماسك  وأن لا تخلو الحياة من المحن والابتلاءات وأن ربنا هيفرجها من عنده ...وبس !!!!  وتركه يلملم نفسه وسط أندهاش وحزن يخلينا نكتئب ونعتزل الحياة ....... فظن الرجل أن للصداقة أعباء ومتطلبات أكتر من الكلام  وبالذات لما يكون الصديق يقدر وبسهولة يفك كرب صديق عمره ..... وأن لم تُظهر مدى حبك وأهتمامك فى التوقيت المناسب وتظن أن المواقف بتعدى وأن كل حاجة مع الوقت بتتنسى......ولكن لولا المواقف .... لظننت ان الجميع اصدقائى ...... ترسبات المواقف بتعمل شرخ يتسع يوماً بعد يوم يتحول إلى جفاء وشوية شوية إلى نسيان الذى كان
...........................
الحكايات الثلاثة السابقة من حكاية الأب اللى مستنى اللمة الحلوة .... والشخص اللى الطموح سرق منه عمره ....  و علاقة الصديق اللى كان محتاج مساندة صديق عمره كما كان يعتقد أنه صديق بجد .... الحالات الثلاثة يجمعهم شيء واحد وهو الأعتماء أن الآخر سيتحملك وهيعدى وهيسامح ..... ولما نيجى نفوق يكون الطرف التانى مش موجود أو الزمن قد فات أو الشخص خلاص أنت مش فى حساباته .....  هو الانسان مش ملكية خاصة يعنى لو أتداس عليه وأتضغط فى مواقف كتيره هيتحمل مره أتنين لغاية ما يوصل لدرجة الأنفجار .... أو تتدخل العناية الألهية بأنهاء معاناته والرحيل عن الدنيا فلا تكن سبب للضغط النفسى وتحميل الغير من الدائرة المقربة لنا ضغوط فوق طاقة الأحتمال ... لكى لا نندم فى لحظة فوقان وتأنيب الذات .... و ساعتها هيكون قد فات الأوان وأن لحظة الفوقان وادراك الخطأ جاء مع عدم التوفيق فى مراعاة فرق التوقيت .......................
الهام المليجى