خواطر ايمانية

لا تكرر الخطأ

·  كل الناس يخطئون – قولا أو عملا – ولا يوجد إنسان لم يخطئ في حياته أبدا ، سواء في حق ربه أو مع نفسه أو مع غيره – إلا المعصومين من الأنبياء – وفي الحديث الشريف : ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) وتلك هي الطبيعة البشرية منذ خلق الله آدم حيث أخطأ بمعصية ربه فأكل هو وزوجته من شجرة الجنة التي أمرهما الله ألاَّ يقرباها [ وعصى آدم ربه فغوى ] .
·  ينبغي أن يتعلم الإنسان من أخطائه فلا يكررها ، ومَن أخطاء الناس من حوله فلا يقع فيها ، وهذا هو الإنسان الرشيد الذي يستفيد من أخطائه وأخطاء غيره فيأخذ من هذه وتلك العظة والعبرة لتسلم له أموره وتقل أخطاؤه إلى أن تنعدم أو تكاد – وكذلك كل ما يترتب عليها من أضرار أو خسائر مادية أو معنوية في النفس أو مع الغير –  دنيوية أو أخروية .
·  ففي مجال المعاملات الفردية فإن الإنسان الذكي لا ينبغي أن يوظف ذكاءه في الشر أو إيذاء الغير ظنا منه أنه أذكى من الناس جميعا ، فهناك من الناس من يتعاملون مع غيرهم من هذا المنطلق ، وهذا خطأ فادح يقعون فيه بل يكررون الوقوع فيه رغم ما يترتب على ذلك من أضرار وخسائر في العلاقات وفقدان الثقة ، ولا يتعظون ولا يغيرون من سلوكهم بل يستمرون فيه حتى يفقدوا كل شئ ، ولو أنهم استفادوا من التجارب التي مروا بها والأخطاء التي وقعوا فيها واحترموا ذكاء الآخرين لكان خيرا لهم في دنياهم وآخرتهم .
·  ولعل أكبر الأخطاء التي يقع فيها الإنسان – وغالبا ما يكررها – هي ما كان في دينه وفي حق ربه وذلك من تقصير في العبادات التي أمر الله بها وبلغها لنا الرسول الكريم والقرآن الكريم ، أو ارتكاب المعاصي التي نهى عنها رب العزة في شرعه الحنيف ، وحذر من عواقبها من مصائب في الدنيا وعذاب في الآخرة [ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ] [ له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ] [ ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ] ، وقد فتح الله سبحانه باب التوبة عند تكرار الخطأ أو الإصرار عليه [ وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ] ، وذلك بالتوبة النصوح التي توجب الندم على المعصية والعزم على عدم تكرارها والالتزام بالنهج الرباني في كل الأوامر والنواهي والمعاملات ، كما فتح الله سبحانه باب الآستغفار ووعد بالمغفرة وخير الجزاء [ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن بغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ] .
·  الإنسان الرشيد يقيِّم سلوكياته مع كل تجربة يخوضها وذلك على ضوء رد الفعل الذي يترتب عليها سلبا أو إيجابا ويحاول أن يتعرف على مواطن الخطأ فلا يعود إليها ، وما كان من أثر طيب فيستزيد منها .
  إن تكرار الوقوع في نفس الأخطاء يمكن رده إلى أحد العوامل الآتية :-
1- ألَّا يكون لدى الشخص الحس الذي يمكنه من الاستفادة من التجارب التي يمر بها لأن ذلك يتطلب حسا مرهفا وعقلا ناضجا واعيا .
2- وإما أن تخذله فطنته فيظن أنه في المرات القادمة لن يقع فيما وقع فيه من قبل –  وذلك نوع من أنواع الغرور أو التفاؤل الحذر .
3- وإما أنه يشتهي ارتكاب المعاصي مهما حدث له أو لغيره ومهما كان من نتائجها –  وتلك هي النفس الشريرة .
4- أوأنه يتمنى الإقلاع عن الخطأ الذي ارتكبه وعدم تكراره ولكن إرادته تتلاشى كلما واجه نفس الموقف وذلك لضعف في شخصيته .
وكلها عوامل مختلفة تتحكم في تصرفات البعض بما لا يمكنهم من استيعاب الدروس المستفادة من أخطائهم أو أخطاء غيرهم ، أو إنهم يستوعبون الدروس ولكن إرادتهم لا تصمد أمام الإغراء أو وسوسة الشيطان .
·  يُعتبر ضعف الوازع الديني أو غيابه تماما لدى بعض الناس عاملا قويا في إقدامهم على أنواع الشرور والآثام بل وتطويرها إلى ما يكون أشد ضررا وإيذاء للناس ، وهو ما لا يقدم عليه من كان يخشى ربه واليوم الآخر ، وهؤلاء الأشرار لا يتورعون عن ارتكاب وتكرار أفظع جرائم القتل وسفك الدماء والفواحش لقاء مبالغ زهيدة يتقاضونها أو لقضاء رغبة شيطانية تجتاح من لا ضمير لهم ولا خوف من الله .
·  الإنسان الذي يكرر أخطاءه ولا يتعظ من تجاربه وأخطاء الآخرين إما أنه لا عقل له أو لا إرادة لديه ، وغياب العقل أو انعدام الإرادة – أحدهما أو كلاهما -  كافيان للقضاء على الإنسان وعلى كل نفع يرجو منه أو يُرجى له في الحياة ، ولذلك ينبغي على الشخص الذي تتكرر أخطاؤه سواء بقصد أو بغير قصد أن يراجع نفسه أولا بأول وأن يبحث عن العلة فيها ومن ثم تكون له القدرة على التخلص منها بشكل دائم ونهائي ، ولو بمساعدة غيره من أهل العلم والخير .
·  الناس تائهون منكبون على وجوههم يرتكبون ويكررون أخطاءهم بلا وعي ولا إحساس ولا دين ولا ضمير [ أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ] .
·  الإنسان فيه طاقة كامنة يمكنه أن يلجأ إليها في حالة الضرورة ، كأن يكون هناك خطر يهدد حياته أو أهله أو ممتلكاته ، وليس هناك خطر يهدد كيان الإنسان في حياته وما بعدها أي في الآخرة أكبر من أن يكون غائب العقل  أو مسلوب الإرادة ، لا يقيِّم أخطاءه ولا يتعظ من أخطاء غيره ، وذلك بتوظيف الإرادة الكامنة في نفسه ، وأن مصير الإنسان في دنياه وآخرته إنما يحددها هو بنفسه [ بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ] فالأعذار لا تجدي ولا تفيد ولن تُقبل يوم القيامة ، فالذي كتب على نفسه الخطأ ومن ثَمَّ الشقاء في الدنيا والعذاب والمذلة والهوان في الآخرة هو المسئول عما كتبه على نفسه ، فلم يضطره أحد إلى هذا المصير ، ولن يتحمل عنه أحد ندمه وعذابه وهوانه ومذلته في الآخرة  [ وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى – يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ] .
·  نوضح هنا أنه ليست كل تصرفاتنا واقعة في دائرة الحلال والحرام بل هناك تصرفات وسلوكيات يحكمها الذوق والكياسة واعتبارات المنطق والمجاملة ، وتقييم تصرفاتنا يشمل هذه الدائرة ، فلو أننا نستحسن تصرفا معينا تجاه شخص مما أسعده وأتى بنتائج حميدة ووطد علاقتنا به ، فنحمد ذلك لأنفسنا فنعزم أن يكون سلوكنا في المواقف المشابهة هو نفسه الذي رضينا عنه سابقا ، كما نستهجن وننبذ تصرفا معينا تجاه شخص مما جرح شعوره أو أحرجه بدون داع فنعزم على ألا نكرر هذا التصرف ونظل نادمين عليه كلما تذكرناه ، ونبادر بالاعتذار له أو تعويضه أو ترضيته بالصورة التي تليق بالموقف .
·  والواجب علينا أن ننأى بأنفسنا عن أي تصرف لنا كان خاليا من اللياقة أو الكياسة أو المجاملة تجاه الآخرين وذلك بغرض الارتقاء بأنفسنا للاقتراب من الكمال المنشود بقدر المستطاع ، وهذا ما يميز الإنسان المهذب الراقي عن الإنسان الذي لا يعنيه الرقي السلوكي والأخلاقي فتظل أقواله وأفعاله فجة غير متحضرة ، فالفرق بين إنسان وإنسان قد يكون كالفرق بين الليل والنهار أو الظلمات والنور .
مهندس / رزق الشناوى
نائب رئيس مجلس الإدارة الأسبق
دبلوم المعهد العالى للدراسات الإسلامية
دبلوم معهد إعداد الدعاه