خواطر إيمانية

دين الرحمة

إن الإسلام دين رحمة وإن الله تعالى ينزِّل الأحكام والحدود الشديدة كحد قطع يد السارق ورجم الزناة ليبين للمؤمنين شناعة هذه الأفعال ، ولكنه ولكونه الرحمن الرحيم الذي خلق الإنسان ويعلم ضعفه يخفف هذه الأحكام ويجعل شروط إثبات وتطبيق هذه الحدود تكاد تكون صعبة جدا إلى حد الإستحالة إلا باعتراف الجناة أنفسهم. يجب جعل السبيل إلى التوبة صعبا على الجاني .وعدم إشاعة الفاحشة في المجتمع حتى لا تصبح الأفعال السيئة كالكذب والغش والاحتكار أمورا عادية وكما قال سيدنا عمر رضي الله عنه " أميتوا الفتنة بعدم ذكرها " . يعلمنا الرسول الكريم أن لا نقول كثُرَ الغش والكذب حتى لا تصبح من الأمور المعتادة وغير المستهجنة متناسين قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم) . وبهذه المناسبة وحتى تستقيم أمور المجتمع أرجو أن تتواصل جهود الإصلاحات التشريعية يجب مواجهة جرائم الكذب والغش والاحتكار والتعدي على الحرمات بما يتنافى مع شرع الله تعالى ، وذلك بإصدار قوانين وتشريعات صارمة. **حينما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهي وأوحى إليه ربه : يامحمد، أرفع رأسك وسل تٌعط .. قال يارب: إنك عذبت قوما بالخسف .. وقوما بالمسخ .. فماذا أنت فاعل بأمتي ؟ قال الله تعالى: ( أنزل عليهم رحمتي .. وأبدل سيئاتهم حسنات .. ومن دعاني أجبته .. ومن سألني أعطيته.. ومن توكل علي كفيته .. وأستر على العصاة منهم في الدنيا.. وأشفعك فيهم في الأخرة.. ولولا أن الحبيب يحب معاتبة حبيبه لما حاسبتهم يا محمد إذا كنت أنا الرحيم وأنت الشفيع ..؟ فكيف تضيع أمتك بين الرحيم والشفيع )؟ سبحانك يارب ما أعظمك، وما أرحمك.. . أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدآ رسول الله، يَقول إبليـس لله عـزَ وجلَ: {وعزتك وجلالك ! لأغًوينهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم } ! فيقول الله عز وجل :{وعزتي وجلآليَ لأغفرنَ لہم ما داموَا يسَتغفرونني ..} ** إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة ولم يجدوا أصحابهم الذين كانوا معهم على خير في الدنيا فإنهم يسألون عنهم رب العزة، ويقولون: ” يارب لنا إخوان كانوا يصلون معنا ويصومون معنا لم نرهم “ فيقول الله جل و علا : اذهبوا للنار وأخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان .. وقال الحسن البصري - رحمه الله - [ استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة ] الصديق الوفي هو من يمشي بك إلى الجنة … قال ابن الجوزى رحمه الله : إن لم تجدوني في الجنة بينكم فاسألوا عني فقولوا : ياربنا عبدك فلان كان يذكرنا بك !!! ثم بكى رحمه الله رحمة واسعة .وصف الله أنبياءه وأولياءه بأنهم يجمعون بين الرجاء وحسن الظن بالله تعالى، والخوف والخشية، فقال سبحانه: ? فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ? [سورة الأنبياء 90]، والرغب: الرجاء وحسن الظن، والرهب: الخوف والخشية.
 قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقد جمع تعالى هذه المقامات الثلاث [المحبة والرجاء والخوف] بقوله: ? أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ? [سورة الإسراء 57]، فابتغاء الوسيلة: هو محبته الداعية إلى التقرب إليه، ثم ذكر بعدها الرجاء والخوف، فهذه طريقة عباده وأوليائه، وربما آل الأمر بمن عبده بالحب المجرد، إلى استحلال المحرمات، ويقول: المحب لا يضره ذنب، وصنف بعضهم في ذلك مصنفًا، وذكر فيه أثرًا مكذوبًا: إذا أحب الله العبد لم تضره الذنوب، وهذا كذب قطعًا، مناف للإسلام، فالذنوب تضر بالذات لكل أحد، كضرر السم للبدن"؛ [بدائع الفوائد (3/3) ].
 وقال ابن القيم: "القلب في سَيره إلى الله عز وجل: بمنزلة الطائر: فالمحبة: رأسه، والخوف والرجاء: جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان: فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس: مات الطائر، ومتى فُقد الجناحان: فهو عرضة لكل صائد وكاسر، [قال بعض السلف]: أكمل الأحوال: اعتدال الرجاء والخوف، وغلبة الحب، فالمحبة هي المركب، والرجاء حاد، والخوف سائق، والله الموصل بمنه وكرمه؛ [ينظر: مدارج السالكين (1/514) ].
هذا، وينبغي على العبد النظر في حاله، وحال من يدعوه ويعظه، فإن رأى الأنفع - في حال معين - التخويف والترهيب والوعيد اشتغل بها، وإن رأى الأصلح - في وضع آخر - التبشير والوعد والترغيب اهتم بها، على ألا ينفرد بأحدهما مطلقًا، ويهمل الجانب الآخر، وذلك أن الله تعالى إنما بعث رسله بالبشارة والنذارة؛ كما قال سبحانه: ? رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ? [النساء: 165]، وقال عز وجل: ? وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ? [الإسراء: 105].
والحاصل: أن الموازنة بين المحبة والرجاء والخوف مفتاح الفوز والنعيم السعادة، والصواب الذي ينبغي العمل به، والعناية بتحقيقه.
 نسأل الله العظيم أن يوفقنا لصالح الأعمال فإنه وليُّ ذلك والقادر عليه .   
(مهندس محمد موسى)