خواطر إيمانية

الــــرِّفــــــــــق

  الرِّفق في اللغة يعني : اللين والحِـلم والأناة في المعاملة , وترفق به أي : حنَّ عليه -  رحمه –  تودد إليه أو ألان له جانبه ، سواء في القول أو العمل .
  الرفق في القرآن الكريم والسنة المطهرة : الرحمة -  الرأفة .
  الرفق جانب من التقوى لقوله صلى الله عليه وسلم ( من يُـحرم الرفق يُـحرم الخير كله ) .
الرفق يقابله ( مضادات الرفق ) : العنف – القسوة – الخشونة – البغض أو الحُـمق .
مقــــــــــدمة
  لله الأسماء الحسنى , فكل اسم من أسمائه الحسنى يدل على صفة من صفاته العليا سبحانه وتعالى , فبعض هذه الصفات -  مثل العظيم والمتكبر -  اختص الله بها نفسه وتوعد بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة لمن يدعي الاتصاف بها من البشر , وفي المقابل فإن بعض الصفات – وكما يقول الإمام الغزالي رحمه الله :  على المؤمن أن يتحلى بها في حدود إمكانياته البشرية , مثل صفة الرحمة , والرحمة لها عدة وجوه ومنها " الرفق " الذي هو موضوعنا اليوم .
  والرفق كما يكون في القول والكلمة الطيبة يجب أن يكون في العمل والمعاملة , فالرفق باللسان إن لم يصحبه رفق في العمل والمعاملة يكون أقرب إلى النفاق والعياذ بالله .
  الرفق يكون من القوي للضعيف ومن الكبير للصغير ومن الغني للفقير وبصفة عامة يكون من القادر لغير القادر , وللرفق مجالات عدة : فمنه رفق مادي ورفق معنوي , ورفق بالكلمة ورفق بالقلب والضمير وكل ذلك مطلوب من المسلم , وأهم من يرفق به المرء هم الضعفاء والمحتاجون بسبب تقدم العمر أو اعتلال الصحة أو فقد متطلبات الحياة .
دعوة الإسلام للتحلي بفضيلة الرفق :
  الإسلام لا يعتبر الإنسان مؤمنا كامل الإيمان إلا إذا تحلى بالفضائل وتخلى عن الرذائل , ومن أهم الرذائل التي يحذر الإسلام منها أتباعه " العنف " سواء مع الإنسان أو مع غيره من المخلوقات حتى الجمادات , ففضيلة " الرفق " تسمو بالإنسان إلى أعلى الدرجات الإيمانية , ورذيلة القسوة تنحط به إلى أسفل الدرجات , وليختر الإنسان لنفسه فقد ترك له الإسلام حرية الاختيار بعد أن بيَّـن له ثواب الفضائل وعاقبة الرذائل فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الرفق لا يكون في شيئ إلا زانه ولا يُنزع من شيئ إلا شانه ) .

  أول من يجب على المسلم الرفق به هي نفسه هو؛ فلا يكلفها ما لا تطيق من الأعمال والتكاليف وأن ينأى بها عن المحرمات , لأن الحرام فيه مشقة على الإنسان في الدنيا وفي الآخرة أو فيهما معا حيث يؤدي إلى غضب الله فيورد صاحبه مورد الهلاك , ويجب أن تكون ذروة الرفق هو الترفق بالوالدين وحسن معاملتهما إن كانا أحياء , والدعاء لهما والتصدق ووهبة الثواب لهما بعد وفاتهما , ثم الرفق بأهل بيته ؛ زوجه وأولاده وجميع من يتعامل معهم من الأقارب أو غيرهم من البشر سواء كانوا من المسلمين أو من غير المسلمين .
  بشَّـر الإسلام من يرفق بالكائنات الأخرى غير الإنسان بالجزاء العظيم وهو دخول الجنة حيث أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن رجلا رأى كلبا يلهث من العطش فنزل في البئر وأحضر ماء فسقى به الكلب فأدخله الله تعالى الجنة , كما توعد الإسلام من لا يرفق بحيوان أو طير ويعذبه أو يورده مورد الهلاك بأشد العذاب ,  حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( دخلت امرأة النار في هرة , حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) . 
  على المسلم أن يكون رفيقا أيضا مع الجمادات , فقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا هـمَّ أحدنا بتناول شيء أو القيام بأي بعمل ولو كان عملا بسيطا -  كفتح الباب أو إغلاقه – فعليه أن يبدأ باسم الله الرحمن الرحيم لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل عمل لا يبدأ باسم الله فهو أبتر) فذكرُ الإنسان لله تعالى بوصفه الرحمن الرحيم يجعل نفسه وجوارحه ميالة إلى الرفق في كل حركاته وسكناته . 
  الرفق فضيلة بين رذيلتين : المغالاة والإهمال , فعلى المسلم أن لا يغالي في الرفق – وخصوصا مع نفسه وأولاده – حتى لا تؤدي المغالاة في الرفق إلى الخروج عن أحكام الشريعة أو الانحراف عن الطريق القويم , أما إهمال الرفق واللجوء إلى العنف والخشونة في المعاملة والنصيحة فإن ذلك يؤدي إلى النفور وعدم قبول النصيحة حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث شريفة : أن الله رفيق يحب الرفق , وأن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه ولا نُـزع من شيء إلا شانه , وأن الله يعطي على الرفق ما لا يعطى على العنف , وأن من يُـحرم الرفق يُـحرم الخيرَ كله .
رفقه جل وعلا بعباده :
وصف الله تعالى نفسه العلية بالرءوف الرحيم , وأول رحمته وترفقه بعباده قبول توبة آدم عليه السلام أبي البشرية وغفرانه لذنبه , وأول ترفقه سبحانه وتعالى بالمسلمين أن اختار لهم رسولا من أنفسهم يتصف بالرأفة والرحمة كما قال تعالى : [ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ] , والرفق كان من صفة الأنبياء والرسل وواحد من أهم فضائلهم وأصل رسالاتهم , فقد قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام لما أمرهما بتوصيل الدعوة إلى فرعون الطاغية : [ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو أن يخشى ] .
  ومن رحمته جل وعلا بعباده أن خفف عليهم في أداء الفرائض في حالة المرض أو السفر أو عدم المقدرة مع التفضل عليهم بكامل الثواب والأجر كما لو كانوا قد أدوها كاملة .
  من صور رفقه الله تعالى : الرفق بالأيتام حيث قرن عدم الرفق بهم بالتكذيب بيوم الدين لقوله تعالى : [ أرأيت الذي يكذب بيوم الدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ... ]
إذا كان من صفات الله تعالى أنه هو الرءوف الرحيم , فيجب على المسلم أن يتحرى التحلى بفضيلة " الرفق "  مع الآخرين وخاصة مع من يحتاجونه منه .
بعض صور رفق الرسول صلى الله عليه وسلم :
  يكفيه صلى الله عليه وسلم ما وصفه به الله تعالى في كتابه العزيز : [ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ] . وقوله تعالى : [ ... بالمؤمنين رءوف رحيم ] .
  من صور رفقه صلى الله عليه وسلم : أنه ما كان يُـخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما , فقد كان يأمر المؤمنين الأخذ بالتيسير في مختلف أمور الحياة وأمور الدين والشرائع , كالتيسير في أداء مناسك الحج وغيرها .
  من صور رفقه صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين : تجنيبهم المشقة بالأمر بالصلاة في البيوت لمجرد نزول المطر , فبذلك وضع للمسلمين المنهج في التيسير في حالة وقوع البلاء ولو كان ابتلاء يسيرا كنزول المطر .
كيفية اكتساب فضيلة الرفق :
  من أهم الوسائل التي تعين المسلم على اكتساب فضيلة " الرفق " مخالفة هواه وشيطانه ؛ والهوى هو رغبات النفس الأمارة بالسوء , وشيطان الجن الذي أخذ على نفسه العهد لـيُـغـويَّـن البشر أجمعين إلا عباد الله المخلصين , وكما قال تعالى : [ قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ] , وكذلك شياطين الإنس وهم أصدقاء السوء الذين لا يـذكِّـرونك بالله تعالى ويُـزيِّـنون لأصحابهم ولجلسائهم المعاصي وما لا يفيد من أمور الدنيا والآخرة .
  أمر الإسلام أتباعه بنشر المحبة بينهم , وجعل ذلك دليلا على الإيمان , فعلى المسلم أن يحرص على إشاعة جو التآلف والود بينه وبين كل من يتعامل معه ابتداء بأسرته , ثم أصدقائه وزملائه في الدراسة أو العمل , ثم مع المجتمع كله أفرادا وجماعات كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا , ولن تؤمنوا حتى تحابوا , أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) .
    م.محمد موسى