الواحة

شارع "الموسكى" يفوِّت جملين!

منطقة الموسكي أشبه بمسرح استعراضى فيه أضواء النجف والكريستالات اللامعة التى تتلألأ إلى جانب علب السبوع و شموع الأفراح و فوانيس رمضان ولعب الأطفال و مظاهر الفرح كلها فى مكان واحد.
ترجع تسمية شارع الموسكى بهذا الأسم نسبة للأميرعز الدين موسك أحد أقرباء السلطان صلاح الدين الأيوبى  وكان رجلا خيراً يحفظ القرآن ويواظب على تلاوته ويحب أهل العلم والعلماء، عاش في القرن الثاني عشر للميلاد وقام ببناء قنطرة الموسكي. هذا الشارع يبدأ من آخر شارع السكة الجديدة عند قنطرة الموسكى بجوار القرة قول "قسم شرطة الموسكي" وينتهى عند شارع العتبة الخضراء . تم إنشاؤه على مدى عُمْر خمسة من حكام مصر من أسرة محمد على هم: محمد على الكبير و عباس الأول وتوقف فى عصر سعيد باشا ثم استأنف الخديوى إسماعيل العمل به إلى أن اكتمل إنشاؤه فى عهد  الخديوى توفيق .عندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798قام جنود الحملة بهدم بيوت الأمراء والهاربين خارج القاهرة  ومنهم بيت الأمير عز الدين موسك و قنطرة الموسكي، وأنشأوا طريقاً من قنطرة الموسكي إلى ميدان جامع أزبك وهذا الطريق هو شارع الموسكي حالياً.
ثم أمر محمد علي بتوسيع الأزقة والشوارع ، واطلق اسم شارع الموسكي على الشارع المؤدي من زاوية الموسكي حتى الاستبالية الملكية بالأزبكية، وهي مستشفى الأزبكية التى جددها محمد علي، وجعلها ملحقة بمدرسة الطب والولادة بقصر العيني. لقد كان لمحمد علي باشا فضل كبير فى تغيير ملامح شوارع القاهرة فقد أمر بتنظيم وتنظيف الشوارع وأمر بتعليق القناديل على أبواب البيوت وأزال المقابر التى كانت فى وسط القاهرة وأزال الأنقاض التى كانت تحيط بالقاهرة وكانت تحمل لها السموم عند هبوب أى عاصفة وأستخدم ترابها فى ردم البرك وأزال تل العقارب الملاصق للنيل عند قصر العينى والتلال الموجودة بين حى الناصرية وجاردن سيتى وزرع فيها أِشجار الزيتون وأمر الأهالى بطلاء المنازل باللون الأبيض لتبدو القاهرة أكثر بهاءً وجمالاً.  ثم أنشأ محمد علي شارع السكة الجديدة  وهو الآن شارع الأزهر ، الذى يبدأ من جهة تُرب الغريب، وينتهي أول شارع الموسكي تجاه المفارق الأربعة. بدأ الشارع كمشروع فرنسي ليفتح الطريق أمام التجارة الأوروبية حيث سكن فيه كثير من التُجار الأجانب، تحديداً في «حارة الفرنج» وكانَ أغلبهم من اليهود .
أصدرَ محمد علي قرارًا بشراء الأملاك، التي تعترض الشارع وتولى «قلم الهندسة»، تخطيط الشارع المُقترح وبدأ شقّ الطريق إلى تقاطعُه مع قنطرة الموسكى على الخليج وتم فتح الشارع عام 1849م. و استفتى محمد علي العلماء في فتحه وكيفية عرضه فأفتوه بأنّ يجعل عرضِه يسمح بمرور جملين مُحملين بالتبن دونَ مشقة في مرورهما، وبناءًعلى ذلك تقررَ أنّ يكون عرض الشارع 8 أمتار. وكان هذا العرض كافيًا وقتها. ولقد سهّل فتح هذا الطريق حركة التجارة وسطّ القاهرة الفاطمية، وكان هذا الشارع أول شارع بالعرض في القاهرة كُلها. إذ أنّ شوارع القاهرة كانت شوارع طوليّة بحُكم أنّ المدينة مدينة طولية، بإمتدادها مع نهر النيل، وأشهر الشوارع الطوليّة، هو شارع المعز لدين الله من باب زويلة في الجنوب إلى باب الفتوح شمالاً. وفى عهد عباس الأول تم مد الشارع إلى شارع النحاسين "المعز لدين الله" ، ثم أكمله الخديو إسماعيل إلى جهة الغريب قرب الترب حيث كانت هناك عدة مقابر وسط القاهرة فى الرويعى والجامع الأحمر خلف شارع كلوت بك وترب المناصرة وفى عهد الخديو توفيق تم انشاء أرصفة على جانبى الشارع من الحجر وتم دك أرض الشارع بالمكدام.
عند افتتاح قناة السويس، دعا الخديو إسماعيل ملوك وأمراء الدول المختلفة، كما دعا رؤساء الشركات الكبرى وكبار الكتاب لافتتاح قناة السويس ، وقبل الافتتاح دعاهم لزيارة معالم القاهرة وقضاء 5 أيام في القاهرة وكان برنامج اليوم الأول لهذه الرحلة هو زيارة "حي الموسكي " من خلال شارع السكة الجديدة. وفى عهد عباس حلمي كان بداية إنشاء المدارس الأجنبية في مصر، حيث أنشأ الأميركيون مدرسة للبنين في الأزبكية عام 1854، وفكر الفرنسيون في إنشاء مدرستين للبنين ووقع اختيارهم على حي الموسكي ليكون مكانًا لهما.
ثم ننتقل إلى “حارة اليهود” بمنطقة الموسكي وهي من حواري شوارع الموسكي وضمت الحارة ثلاثة عشر معبدا يهوديا لم يتبق منها سوى ثلاثة معابد، وهي " معبد موسى بن ميمون " الذي كان طبيبا وفيلسوفا شهيرا في بدايات القرن الثاني عشر الميلادي، وكان مقربا من السلطان صلاح الدين الأيوبي، ، أما المعبد الثاني "بار يوحاي" ويقع في شارع الصقالية، بينما الثالث في درب نصير وهو معبد "أبو حاييم كابوسي".. ولا يمكن الحديث عن حارة اليهود دون الحديث عن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الذي قضي طفولته بأحد منازلها تحديدًا في 3 حارة عدس بالخرنفش المجاور لحارة اليهود.
كان شارع الموسكي قديما ًيُباع و يُشترى و ترجع ملكية نصف الشارع إلى عائلة سلاطين التي توطنت بمصر من قديم الزمان و عاشت بها. جمع حي الموسكي على مدار 9 قرون مضت بين مختلف المباني الدينية التي تنتمي لعصور متتابعة؛ فيه العديد من المساجد الآثرية كـ" مسجد العزباني" ، و"مسجد الرويعي"، و"الجامع الأحمر"، إلى جانب العديد من الكنائس كـ"كنيسة الأرمن الغرغوري"، و"كنيسة الإفرنج الكاثوليك" و"الأرمن الكاثوليك".كما يضم الموسكى عقارات متميزة أخرى، كمبنى لوكاندة البرلمان، الذي تحول إلى مول تجارى، وكذا العديد من العقارات ذات الطابع التاريخي والطراز المعماري الفرنسي بشارعي القلعة وعبد العزيز وغيرهما.

وهناك منطقة أخرى شهيرة في دروب الموسكي وهو شارع الفرحة الذى تبدأ منه أولى سطور قصص الزواج وسبوع المواليد وهو "درب البرابرة" وهناك أكثر من رواية عن أصل التسمية حيث يقال أنهم جماعة من البربر جاءوا إلى القاهرة ليعملوا في القصور الملكية وسكنوا في هذا المكان وعملوا به، وفي رواية أخرى إنهم قبائل البربر الذين أتوا مع جوهر الصقلي أثناء فتح مصر واستقروا في هذا المكان الذى يحتوى حتى الآن على كل مستلزمات الأفراح والسبوع . شارع الموسكي ليس منطقة تجارية فحسب ولكنه بورتريه نادر به المسجد والسوق والعيد حيث الغورية و السيوفية والخيامية والأزهر الشريف ومقام سيدنا الحسين رضى الله عنه ودرب البرابرة وحارة اليهود ..كل هذا فى قلب القاهرة الفاطمية.
سهام يوسف كمال