خواطر ايمانية

المـــــــــال الحـــــــرام

حسناً ما فعلت أجهزة الدولة في تتبع ومحاربة الفساد المتمثل في نهب أموال الدولة التي هي ثروات الأجيال التي اختصها الله تعالى لمنفعة عباده ودعا إلى المحافظة عليها ضمن مقاصد الشريعة الخمسة :( المال – العرض – النفس – العقل – الدين) واعتبارها أمانة، وجعل التفريط فيها خيانة للأمانة ومن الكبائر التي تحبط ثواب أي عبادة أو عمل صالح، وتوجب أشد العذاب (لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت) وفي الحديث الشريف ( كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به)، والسحت هو المال الحرام بكافة صوره وأهمها ست : (الغلول – الرشوة – الإسراف – الإهمال –الاختلاس – التدليس).
1- الغلول: قال تعالى:[ ومَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ومَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ] – وفي الحديث الشريف أن الذي يرتكب جريمة الغلول يأتي يوم القيامة حاملاً ماغل على ظهره ورقبته معذباً بحمله وموبخاً بفضيحته، والغلول أن يخصص المسئول لنفسه أو لغيره مما تحت يده مستغلاً سلطته ومنصبه ويشمل ذلك المعونات الدولية المالية والمادية من مواد تموينية وخلافه والمنح والتبرعات والقروض والحوافز والمكافآت، وكذا الأراضي والشقق وكافة الثروات من بترول وغاز ومعادن وآثار وغيرها، وهذه الجريمة يستطيع مرتكبها والمستفيد منها أن يبرأ منها بالتوبة ورد ما أخذه بدون وجه حق أو دفع ثمنه.
2- الرشوة: وهي عطاء مالي أو عيني يقدم لمن بيده الأمر مقابل إعطاء من لا يستحق ما ليس له أو بالزيادة عما يستحق، أو التغاضي عن مخالفة أو قبول أعمال معيبة أو السكوت عن تحصيل مستحقات الدولة [ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وتُدْلُوا بِهَا إلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وأَنتُمْ تَعْلَمُونَ] ، وفي الحديث الشريف (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما) أي الوسيط.
3- الإسراف: وهو إهدار المال العام بالتبذير في إنفاقه فيما ليس من ورائه عائد محقق، أو الإنفاق في ترف لإشباع هوى شخصي أو ينتظر من ورائه منفعة شخصية أو تحقيق مفسدة سواء على المستوى المحلي أو الدولي، وإن استشعار مراقبة الله لنا في كل وقت وكل عمل إنما توجب ترشيد الإنفاق بالدراسة والتأني سواء كان الإنفاق استثمارياً مثل المناقصات والعقود والبيع والشراء، أو كان أجوراً ومكافآت فيكون فيه الاعتدال دون إسراف أو تقتير ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً).
4- الإهمال: إن ممتلكات الدولة - بكل مؤسساتها وشركاتها وبنوكها - وبكل صورها وأشكالها هي أمانة لدى المسئولين عنها والقائمين على إدارتها وتشغيلها وتخزينها وصيانتها للحفاظ عليها من التلف أو سرعة الاستهلاك، وإهمال ذلك يمثل خيانة للأمانة [والَّذِينَ هُمْ لآمَانَاتِهِمْ وعَهْدِهِمْ رَاعُونَ]، وفي الحديث الشريف: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته).
5- الاختلاس: وهو الاستيلاء على المال العام – وما في حكمه – بمعرفة من هو في عهدته وتحت مسئوليته مثل أمين الخزينة أو أمين مخزن مواد البناء أو المواد التموينية أو الوقود أو الأدوية أو الملابس أو الكتب أو الآلات وغيرها، والذي يخون الأمانة بالسرقة مما هي مجال عمله ومفتاح رزقه،وهو مكلف بالمحافظة عليها وجردها أولاً بأول والتثبت من صحة أرصدتها وصلاحيتها، فهو آثم، ومطالب بعدم التصرف في أي من محتوياتها بغرض تحقيق منفعة شخصية ولو كانت على سبيل السلفة المؤقتة، فالاقتراب منها وقوع في الشبهات ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، وهو خيانة للأمانة أيضاً والتي هي من صفات المنافقين (وإذا اؤتمن خان).
6- التدليس: وهو الاحتيال والتزوير والخداع والغش من أجل الاستيلاء على المال العام، ومن أمثلته تزييف الأوراق النقدية وتداولها، وتزوير المستندات والعقود والضمانات التي تقدم للبنوك من أجل الحصول على قروض أو إقامة مشروعات وهمية لجمع أموال الناس والهروب بها، ومن أمثلتها أيضاً تقديم مؤهلات وشهادات دراسية وبيانات مزورة تؤدي إلى اعتلاء مناصب والحصول على درجات ووظائف تحقق مكاسب بطريقة غير مشروعة مما يلحق الضرر بمقدرات واقتصاد الأمة وأفراد المجتمع.
·  ولنعلم جميعاً أن الله رقيب علينا وناظر إلى أعمالنا وقلوبنا وأنه تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، ويجزي كلا على قدر أمانته وإخلاصه في عمله، كما أن الخائن عاقبته وخيمة في شتى مظاهر الحياة من عمل ومال وأهل وصحة وملعون في الآخرة، فهو شخص ناقص الإيمان، عاص لربه، ظالم لنفسه، وفي الحديث الشريف: ( لاإيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم).
مهندس/ رزق الشناوي
دبلوم الدراسات العليا المعهد العالي للدراسات الاسلامية
 دبلوم معهد اعداد الدعاه