خواطر ايمانية

من مكتبة الشعراوى " معجزة القرآن " حرية الإنسان "

من كتاب معجزة القرآن للشيخ الشعراوى ويتسأل : كيف يكون القرأن نزل للأحياء . . . بنيما هو منهج يدعو إلى حياة قادمة . . .
قضية البعث
هذه الآيات هى قليل من كثير موجود فى القرآن الكريم عن البعث ... يروى لنا أن قضية البعث هى أساس فى الإيمان – وأنه ما من كافر إلا وينكر البعث ويتمنى ألا يكون ... ذلك أن إنكار البعث كما بينا يطلق للنفس البشرية شهواتها بلا حساب ... وإذا كانت قضية البعث هى القضية اليقينية الأولى ... فإننا نجد كل المذاهب التى إنحرفت عن الإسلام تحاول إنكار العذاب فى الآخرة بطرق شتى ...فمنها من يحلل بعض الذنوب والمعاصى .. ليشعر العاصى بشئ من الإطمئنان يحلل به معصيته .. وأما إنكار التعذيب بالنار .... والقول بأن رحمة الله تحيط بجهنم ... كل هذا خروج عن المنهج ... وهو فى الحقيقة محاولة للهروب من حقيقة الحساب والعذاب فى الآخرة . والكافر حقيقة لا يؤمن بالآخرة ... ولكن الموت الذى يراه أمامه كل يوم يملاْ حياته بالرعب والفزع , وينغص عليه عيشته ... وخصوصا أنه يرى الموت فيمن لا يعرف .. وفيمن يعرف , وفى أقرب الناس إليه .. وإيمان الفطرة يلح عليه دائماً .. وملكات الإيمان التى خلقها الله فى نفسه تتصادم مع الكفر الذى ملأ حياته زيفاً .. ولذلك فهو يحاول أن يخدع نفسه دائماً بأنه لا شئ بعد الموت ... فهل يكون الإنسان سعيداً حتى إذا وصل إلى ذلك ؟ ...وما معنى الحياة إن كانت تذهب وتنتهى بلا هدف ولا غرض ... وإذا كنا نولد ونموت فى عالم كله إمتحانات إيمانية للنفس ... فلو أنه ليس هناك بعث ... لكان الكافر بالله هو الفائز فى هذه الحياة ...لأنه أعطى نفسه كل شهواتها وارتكب كل المعاصى .. ثم بعد ذلك مضى ولا شئ ... ولكن هل يمكن أن يحدث هذا ؟ ... هل الله سبحانه وتعالى يخلق كل هذا الكون ليتمتع به من يكفر بالله ؟ .. ولا ينال الطائع إلا أنه يحمل نفسه على منهج الله , ويحرم على نفسه الشهوات والمعاصى ... ثم بعد ذلك لا شئ إن هذا المنطق يهدم فكرة الخلق نفسه .. ويهدم أساس وجود الحياة الدنيا .. وأمنية كل كافر مسرف على نفسه هى ألا يكون هناك يوم حساب .. وألا تكون هناك أخرة ... لكنه لو جلس قليلاً وتأمل بالمنطق وحده ... لوجد أن هذا الكلام لا يتضمن مع العقل ... وانه مادام هناك خالق ومادام هناك كون فلا بد أن تكون هناك غاية ... ولا توجد غاية لهذا الكون إلا إذا وجد يوم القيامة .. ووجد الحساب والعقاب والجنة والنار .. تلك هى الغاية من الكون كله
المنهج يعتمد هوى النفس
ولكى تكمل الصورة .. فإننا لابد أن نعرف .. أن الله سبحانه وتعالى أراد لهذا الكون منهج العدل .. ولذلك فقد قيد فى منهج السماء هوى النفس الذى هو أساس الفساد .. فكل ما يستنبطه الإنسان , وليس فيه هوى النفس .. تركه الله سبحانه وتعالى فى الكون بلا منهج .. فالعلوم الصم التى مكانها المعمل لا يتدخل فيها منهج الله إلا أن يحيطها بقيم أخلاقية تحميها من الهوى فالكمياء مثلاً علم أصم يتسابق عليه العالم أجمع ... فتسرق أسراره الدول من بعضها البعض .. وأنه ليس فيه هوى نفس .. ولذلك فهو موحد فى العالم كله .. لا توجد كيمياء إنجليزية .. وأخرى فرنسية وأخرى سوفيتية .. بل كلها علم كيمياء .. يحيطه المنهج بقيم أخلاقية ليكون علماً خالصاً قائماً على حقيقة .. ليس فيه غش ولا تدليس .. فإذا انتقلنا إلى المناهج السياسية التى يدخل فيها هوى النفس .. وجدنا الصراع ... فأمريكا تحرم وتجرم المبادئ السياسية للإتحاد السوفيتى ... والسوفييت يوقعون عقوبات تصل إلى الإعدام على كل من يعتنق المبدأ الرأسمالى الأمريكى .. وهنا ينزل المنهج ليقضى بين الناس فى الأهواء التى هى أساس الصراعات فى الدنيا .... فيقول لا رأسمالية ولا شيوعية , وإنما منهج السماء يحكم بين الجميع ... لماذا ؟ لأن الله سبحانه وتعالى لا يميز أحدا عن أحد .. ولا يفضل خلقاً على خلق بحيث يبيح لبعض الناس ما يحرمه على البعض الآخر .. فعدل الله مطلق ... وإذا تأملنا فى تشريعات الله نجد فيها حماية للضعيف من القوى , وحماية للقوى أيضاً .. قد يكون هذا كلاما متناقضا ً .. ولكنه فى الحقيقة كلام متكامل .. وهذا التكامل لا يكون إلا فى منهج الله ... إذا أخذنا مثلاً حد السرقة .. هذا الحد يحمى الضعيف من أن يعتدى عليه القوى فيسرق من ماله .. وهو عاجز عن أن يدافع عن نفسه , وهذا ما نراه فى كل مجتمع ... وقد يكون للقوى منطق آخر , وهو أنه يستطيع أن يغتصب مال الضعيف دون أن يمنعه أحد أو يصيبه أذى .... فلماذا حرم عليه ذلك ؟ ... نقول إن هذا منطق عاجز .. لأنه إذا كان الله سبحانه وتعالى قد حرم الله عليك ذلك ؟ .. نقول إن هذا منطق عاجز ... لأنه إذا كان الله سبحانه وتعالى قد حرم السرقة ... فإنه منع القوى من أن يأخذ مال الضعيف ... ولكنه فى نفس الوقت منع المجتمع كله من أن يأخذ مال القوى والإنسان مهما كان قوياً فإنه أمام المجتمع ضعيف .. وإذا أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى ثورات المجتمعات , وهى ضد الأقوياء والطغاة ... فلا تحدث ثورة ضد ضعيف لأنه لا حول له ولا قوة ..ماذا يحدث فى حالة الثورات ؟ .. يصبح ذلك القوى الذى كان يفاخر بقوته ضعيفاً أمام المجتمع , لا حول له ولا قوة .. وينطلق الناس ينهبون ثرواته ويعتدون على أمواله وهو لا حول له ولا قوة .. ويبحث عن مكان يختبئ فيه .. ويتمنى لو أنهم أخذوا أمواله كلها وتركوه حيا ً ...إذن ففى هذه الأحداث تتلاشى قوة أقوى الأقوياء أمام المجتمع .... والله سبحانه وتعالى يرينا قوة المجتمع المدمرة أمام أقوى الجبابرة .. لنعرف من أمثلة قد تحدث على فترات ... يرينا قوة المجتمع الذى يحمينا منه بمنهجه .. ولو استحضر أحدنا هذه الصورة وما يمكن أن يحدث له لسجد شكراً لله سبحانه وتعالى , لأنه حماه من المجتمع بمنهجه الذى حرم على الجميع أن يمدوا أيديهم إلى أمواله .. لأن منهج الله إن كان قد حرم القوى من مال محدود يملكه الضعيف ... فإنه حرم على المجتمع أن يفتك بالقوى , وأن يأخذ أمواله وربما حياته إذان فالمنهج ليس قيداً على أى فرد ولكنه حماية لكل الناس .. ولو نظر أى إنسان مهما كانت قوته إلى أبعد من قدميه لأدرك أن القيد الذى وضعه الله هو قيد له ولمصلحته وليس قيدا عليه .