خواطر ايمانية

الأمـانــة

قال صلى الله عليه وسلم ( لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ) الأمانة كلمة جامعة شـاملة ، لا يقتصر معناها على ما يتعلق بالأموال والودائع فحسب ، بل هى تشمل كل مـا أتمن الله عبـاده عليه مـن أمـور الـدين والـدنيا مـن عـبادات ومعـامـلات وأخـلاق وسـلوكيات وحقـوق وواجبات تجـاه النفس والغير ، ويتضمن ذلك مــا أنعم الله به على عبـاده فى أمـوالهم وأولادهـم وأبدانهم ومناصبهم ممـا يوجب شـكره تعالى عليها بحسن اســتخدامها وتوجيهها وفـق المنهج الإلهى ، ولـذا فـإن الأمـانة فضيلة جليلة القدر عظيمة الأجـر والثواب ، بها يتحقق الفلاح فى الدنيا والآخرة لقوله تعالى ( قد أفلح المؤمنون .... والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ... ) وفوق كل هذا فهى أمر إلهى واجب الطاعة وهــدى نبـوى جـديـر بالاتبـاع ، بهـا يكتمـل إيمـان المســلم كمـا جـاء فى العـديد مـن اّيـات القـراّن الكريم والأحـاديث النبوية الشـريفة ، ومن الأمثلة التطبيقية للالتزام بالأمانة:-

الأمانة فى مجال العمل:
يقول (ص) ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) – فما من إنسان إلا وعمله أمـانة فى عنقه ، وكـل صنعة أو حـرفة أو مهنة أو تجـارة أو زراعـه أو إدارة هى أمانة فى يد صـاحبها ، يؤديهـا على الوجـه الأكمـل ويستشعر رقـابة ومعية الله فى أدائهـا ، وفى الحديث ( كلكـم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) فالشعب أمانة فى يد الحاكم ( الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة واّتوا الزكـاة وأمـروا بالمعروف ونهـوا عـن المنكـر ) ، والعـدل أمـانة فى يد القاضى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمـانـات إلى أهلهـا وإذا حكمتم بين الناس أن تحكمـوا بالعـدل ) ، والدين أمـانة فى يـد العلمـاء والدعاة ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) ، والأمـن أمـانة فى يد الشـرطة ، والدفـاع أمانة فى يد الجيش ، والمريض أمانة فى يد الطبيب ، وطالب العلم أمانة فى يد المعلم ، والمصنع أمانة فى يد العامل ، والحقل أمانة فى يد الزارع ، والقلم أمانة فى يد الكـاتب ، والخبر أمـانة فى يد الإعـلام ، والسـيارة أمـانة فى يد السائق ، والعمارة أمانة فى يد الحارس ، والمنزل أمـانة فى يد الخـادم ، والأسـرة أمـانـة فى يـد الـزوج ، والبيت والأولاد أمـانـة فى يـد الـزوجـة ، والشـركة وأموالها وأصولهـا وسـمعتها أمانة فى يد قيادتها والعاملين بها ، واختيار المرشح أمانة فى يد الناخـب ، كذلك فـإن اختيار الرؤســاء والقـادة وأولى الأمـر أمـانة عظمى لقوله ( ص ) عندمـا سـئل متى الساعة فقال ( إذا ضيعت الأمـانـة فانتظـروا السـاعـة ) والمـراد بضياع الأمـانـة فى الحديث الشـريف هو إسـناد الأمـور والمناصب لغير أهلهـا دون مـراعـاة للكفاءة والخبرة والنزاهـة والسـمعة الطيبة والقـوة ، لقولـه تعالى ( إن خير مـن اخترت القوى الأمين ) ، وذلك من علامات الساعة الصغرى ، وهكـذا فـإن كل عمـل أمـانة فى يد القائم عليه والكل مسئول أمام الله ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) .
أمانة النفس والجوارح:
قـال تعالى ( وفى أنفسـكم أفـلا تبصرون ) ، إن جسم الإنسان وماخلق الله فيه مـن معجـزات جـعـلها وديعة لـدينا وأمـانة جـديرة بـأن نحـافـظ عليهـا مـن التلـف بسـبب المـأكــولات والمشـروبـات الضـارة ، والإسـراف فى الطعـام ، والممارســات الســيئه كـالتدخين والمخــدرات وســائر المحـرمـات ، كمـا تقتضى الأمـانـه حفـظ الجـوارح مـن ارتكـاب أى معصية تغضـب الله ، وعلى رأســــها اللســان والبصـر وذلك بالكــف عـن الغيبة والنميمـة والكــذب وشــهادة الـزور وفـواحش الألفـاظ لقـوله تعــالى ( قـل للمؤمنين يغضوا مـن أبصارهـم ويحفظـوا فـروجهـم ) وفى الحـديث الشريف ( أمسك عليك لسـانك وليسـعك بيتك وابك على خطيئتك ) ، ومـن ثم تسـخير هـذه الجـوارح فى كل ما يرضى الله وينفع الناس .
فى مجال العبادات:
قـال الله تعالى ( إنا عـرضنا الأمـانة على الســموات والأرض والجبـال فأبين أن يحمـلنها وأشــفقن منها وحمـلها الإنسـان إنـه كـان ظلـومـا جهـولا ) والأمـانة فى هـذا المقــام هى أمـانة العبـادات أى الفرائض والتكـاليف الشــرعية والتزام الطــاعـات وترك المعاصى ، والتصوير القراّنى يعبر عـن عظمة الأمـانة وثقل حملها وكيف أن الأجـرام العظام كالسماوات والأرض والجبال الراسيات امتنعت – مجازا – عن حمـلها ليس رفضا لأمـر الله سبحانه ولكن إشفاقا على نفسها وقـدرتها خشية ألا تستطيع أداءهـا على الوجـه الأكمـل الذى يرضى الخـالق جـل وعـلا فتكون عندئذ قـد قصرت فى حـق الله ، أى أن الامـتناع إنمـا هـو للخشية والمخـافة ، وكــان قــدر بنى اّدم أن يحمـل هـو الأمـانة وهـو جـاهـل بعـواقـب الأمـور ظـالـم لنفسه بارتكـاب المعاصى،فالأمانة فى الوضوء تكون بإسباغ الوضوء أى تعميم المياه دون إســراف أو تقتير وترديــد الأذكـار المسـنونـة ، والأمـانـة فى الصــلاة تكـون بإقـامتها أى بـأدائها خمس صلـوات فى أوقـاتـها وبكامل أركانها وسننها وخشوعها ، والأمانة فى الزكاة تكون بإخراجها فى أوقاتها وإنفـاقها فى مصـارفهـا الشـرعية دون مـنّ و لا أذى ، والأمـانة فى الصيام تكـون باجتناب كل ما يبطله ، مـع حفظ اللسـان والبصر وســائر الجـوارح عـن كـل مـا نهى الله عنه ويقلل ثـواب الصيام ، وألا يخالطه ريـاء أو ضجر ، والأمـانـة فى الحـج تكـون بالمبادرة إليه لكـل مـن اسـتطاع اليه ســبيلا دون تكاسـل ولا تـأجيل ودون رياء ولارفـث ولا فسوق ، وأن يرعى الله بتعظيم شعائره فى كل مناسك الحج .
فى مجال المعاملات:
الأمانة تكون بمراعاة شرع الله فى الكيل والميزان والودائع والزواج والطلاق والمواريث والتجارة والعقود وكل ما جاء فى الكتاب والسنة من معاملات .
الأمانة فى الأخلاق:
إن أسـوتنا الحسنة وقـدوتنا الرشيدة فى خلق الأمانة هو رسولنا ( ص ) لقوله تعالى ( لقـد كان لكم فى رسـول الله أسوة حسنة ) وقوله تعالى ( وإنك لعلى خلق عظيم ) فقد لقبه قومه من قبل أن يبعث فينا رسـولا بالصـادق الأمين لمـا عـرف عنه مـن صدق فى القـول وأمـانة فى المعـاملـة ووفـاء بالعهـود ، وليس أدل على ذلك ممـاجـاء فى الأثر من أنه لمـا أذن له بالهجرة من مكة إلى المدينة كـان أول ما فكـر فيه وشغل باله هو ما كـان فى حـوزته مـن أمانات وودائع للناس فحرص على ردها إلى أصحابها قبل الهجرة فكان أن كلف ابن عمه عليا بن أبى طالب كرم الله وجهه بالبقاء فى مكه لرد الودائع إلى أصحابها ثم يلحق بهم مهاجرا إلى المدينة ، ومن أصحاب هذه الودائع بعض المشركين الذين تاّمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يمكن الاحتفاظ بهذه الودائع كتعويض عما استولى عليه الكفار من أموال وممتلكـات المهاجرين ، ولكنه ( ص ) أبى إلا أن يكـون المثـل الأعلى فى الالتزام بشـرع الله ورد الأمانات إلى أهلها لقوله تعالى ( فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته وليتق الله ربه )
خيانه الأمانة:
كمـا أن الالتزام بـأداء الأمـانـة على اختـلاف صـورهـا فضيلة عظيمـة تـورث حـب الله والفـلاح فى الدنيا والآخـرة ، كذلك فإن عـدم الالتزام بالأمانة فى العبادات والمعاملات والأخلاق وارتكاب المعاصى وانتهـاك محـارم الله هى خيانة ينهى عنها ديننا الحنيف قراّنا وسنة لقوله تعالى ( يا أيها الذين اّمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) وفى الحديث الشريف ( اّية المنافق ثلاث : إذا حـدث كـذب وإذا وعـد أخلف وإذا اؤتمن خـان ) وفى سلوكيات التعامل الاسلامى القويم يقول (ص) ( أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك ) كل ذلك مما يوجب سخط الله وغضبه وزوال نعمته وهدايته لقوله تعالى ( وأن الله لا يهدى كيد الخائنين ) .
نسـأل الله العلى القـدير أن يرزقنا أمانة القول والعمل ، وأن يولى أمورنا خيارنا ، وأن يرد المسلمين إلى دينه وكتابه وسـنة رسـوله ردا جميلا ، وأن يحفظ بلادنـا مـن كيد الكـائدين ، وأن يـرزقنا الأمـن والإيمان والسلامة والإسلام وأن يهدينا سواء السبيل - حكاما ومحكومين .
والله ولى التوفيق
م/ رزق الشناوى
دبلوم الدراسات العليا
المعهد العالى للدرسات الإسلامية
دبلوم معهد إعداد الدعاه