"المعلم والعالم والعلامة " شخصيات مصرية أصيلة قدمت أعمال عظيمة
هناك شخصيات مصرية أصيلة رحلوا عنا ولكن ذكراهم لم ترحل عن قلوبنا وعقولنا أبد الدهر، اجتمعت فيهم سمات العباقرة من ذكاء وقدرة استثنائية في مختلف المجالات العلمية والعملية وتحلوا بصفات الصدق والأمانة والاحترام والتواضع والصبر وتحمل المسؤولية وحب الخير للجميع وأهداف نبيلة أخري تصب في بناء وخدمة أوطانهم ولعل تواكب ذكراهم العطرة مع صدور هذا العدد هو ما دفعني للحديث عنهم لكي يكونوا قدوة للأجيال الحاضرة والقادمة كما كانوا قدوة لشباب جيلهم وهم كثر ولكني أثرت منهم شخصية "المعلم والعالم والعلامه " وهم المعلم الكبير المهندس عثمان أحمد عثمان والعالم الدكتور أحمد زويل صاحب جائزة نوبل في الكمياء وفضيلة الإمام الجليل العالم العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمة الله عليهم أجمعين.
المعلم الكبير
يسعدنا نحن أسرته ومحبيه أن نحتفي في هذا العدد بمضي 108 عام على ذكرى ميلاد المعلم الكبير المهندس عثمان أحمد عثمان الذي ضرب مثلا في المثابرة والإرادة، والوفاء والعطاء والإخلاص وحب الوطن ،ولد عثمان في 6 إبريل عام 1917، بمدينة الإسماعيلية، لعائلة فقيرة، حيث توفي والده عام 1920،وعندما بلغ عثمان عامه الثالث تخلي شقيقه الأكبر محمد عن تعليمه واتجه للعمل لتوفير دخل ثابت للعائلة، وكان عثمان يعمل صبي ميكانيكي وهو تلميذ فى الإعدادي بمرتب 25 قرشا فى الأسبوع وبعد الإنتهاء من فترة الثانوية، التحق عثمان بكلية الهندسة جامعة القاهرة، لم تختلف حالته الاقتصادية كثيراً ولتفوقه حصل على منحة دراسية من الجامعة وفي عام 1940 حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية
وانطلق عثمان بعدها ليبدأ مسيرته بأعمال بسيطة بمصر والدول العربية حتي وصل إلي محطة السد العالي متفوقا على العديد من الشركات المنافسة آنذاك ،وفي إحدى زيارته لمتابعة أعمال السد وقف الرئيس جمال عبد الناصر .. يسأل : فين عثمان أحمد عثمان ؟! فأجابه عثمان أنا هنا يا ريس .. قال : عبد الناصر : أنت عثمان اللى لابس اوفرول وبتلف معانا .. أنا كنت فاكر عثمان بساعة كاتينه دهب وسيجار.. وبادره عثمان قائلا : وبنام هنا مع العمال فى الخيمة دى .. قال عبد الناصر أنت راجل جدع وبتبنى لنا السد العالى، وجاء الرئيس السادات ووضع ثقته فيه فكانت شركته من أوائل الشركات في تعمير مدن القناة والمشاركة في تنمية الثروة الحيوانية والحاصلات الزراعية بإنشاء شركة الصالحية ووسط ذلك كله كان اهتمامه بالعاملين معه فأنشأ لهم نادي رياضي واجتماعي ومركز طبي ومصايف علي أعلي مستوي ،وقد احتفت القناة الأولي بالتليفزيون المصري بإذاعة فيلم وثائقي عن المهندس عثمان أحمد عثمان باعتباره من الشخصيات الوطنية الملهمة وأحد رواد الهندسة في مصر ذاكرة تاريخه المشرف في تأسيس شركة المقاولون العرب وبناء السد العالي أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين و دوره كوزير تعمير ونائب رئيس وزراء في تعمير مدن القناة ونجاحاته في تصدير صناعة المقاولات المصرية للخارج ، ومنحه الله حب الخير لكل الناس حتي استرد وديعته في 1 مايو 1999 وسط مشهد مهيب من محبيه من كل أنحاء مصر وخارجها.. رحم الله المهندس عثمان أحمد عثمان رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته وجزاه الله عنا كل خير..
الدكتور أحمد زويل
الشخصية الثانية الدكتور أحمد زويل أول عالم مصري عربي يحصد جائزة نوبل في الكيمياء على مستوى العالم عام 1999 ميلاديًا، ولد الدكتور أحمد زويل في السادس والعشرين من فبراير عام 1946 ميلاديًا، وتوفي في أغسطس عام 2016، بعد أن قدم العديد من الإنجازات العلمية المهمة في مجال الكيمياء والعلوم بشكل عام والتي من أهمها اختراع نظام جديد لديه القدرة على التصوير بسرعة عالية جِدًّا لرصد أقل حركة للجزيئات في الذرة حيث قام بالاعتماد على الفيمتو ثانية وهي وحدة قياس زمنية استخدمها في التقاط بعض الصور لحركات الجزيئات وتعرف الفيمتو ثانية بأنها: ( جزء من مليون مليار جزء من الثانية ) فهذه التحركات لا تدوم لمدة أكثر من 10 إلى 100 فيمتو ثانية وبهذا استطاع الدكتور أحمد زويل من تغيير هذا المستحيل ليصبح حقيقة وواقعًا وبذلك استطاع العلماء والباحثين من الدراسة والسيطرة على التفاعلات الكيميائية التي تحدث بين الجزيئات، وسميت هذه التقنية بالتحليل الطيفي حيث تقوم بإنتاج وميض طيفي يستطيع من خلاله التقاط الصور في جزء من مليون مليار ثانية (الفيمتو ثانية).
كما كان له الفضل في إنشاء وظهور فرع جديد للكيمياء الفيزيائية أُطلق عليه الفيمتو كيمياء يتم تدريسه الآن في كبرى الجامعات في مختلف بلاد العالم وتقلد العديد من المناصب العلمية وكان من أهم استشاريين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في مجال العلوم.
وقد توجت مسيرته العلمية بالحصول على العديد من الجوائز والتكريمات إلى جانب جائزة نوبل في الكيمياء جائزة ألكسندر فون همبولدن في ألمانيا وجائزة كارس السويسرية ووسام بنجامين فرنكلين وقلادة النيل المصري أعلى وسام مصري وجائزة الملك فيصل العالمية ووسام النيلين من السودان.
كما قامت جمهورية مصر العربية بإنشاء مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بهدف تطوير العلوم والتعليم في مصر، وتم إقامة نصب تذكارية لتخليد إنجازاته الهامة.
رحم الله هذا العالم الجليل الدكتور العالمي أحمد زويل فخر المصريين والعرب جميعاً وأسكنه فسيح جناته وجعله قدوة للأجيال القادمة من شباب مصر والعالم العربي.
الإمام الجليل
الشخصية الثالثة هي إمام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي نحتفي بذكرى "ميلاده الـ 113 " حيث ولد هذا الإمام الجليل في 15 أبريل عام 1911م، بقرية دقادوس، مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية وأتم حفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره وقدم قراءة متأنية لكتاب الله في خواطره الإيمانية وعندما سئل عن ذلك قال: القرآن الكريم أكبر من أن يفسره بشر، ولو شاء الحق سبحانه أن يتم تفسير القرآن بواسطة أحد من البشر، لكان أولى بذلك هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أُنزل القرآن على قلبه، والرسول لم يفسر إلا الآيات التي تختص بالأحكام الشرعية والتى لا تختلف فى عصر دون عصر، أما أسرار الآيات الكونية فقد تركها للزمن الآتي ولنشاطات العقل البشري.
تميز الشيخ الشعراوي بعذوبة البيان واستخدام اللغة بطريقة مازجة بين العمق والبساطة والفصاحة، والقدرة العجيبة في حسن استخدام لغة الجسد وكذلك طرح الفكرة وانتظار الإجابة من المستمع في جو تفاعلي وضرب الأمثلة لتقريب الصورة إلى ذهن المستمع بطريقة غاية في الروعة .
ومن أشهر مواقفه المشرفة إرساله برقية إلى الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود أثناء إقامته بالمملكة العربية السعودية يعترض فيها على نقل مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ لتوسعة المطاف حول الكعبة الشريفة؛ مؤيِّدًا رأيه بالأدلة الشرعية على عدم جواز ذلك، وقد استجاب الملك سعود رحمه الله لخطاب الشيخ، وأقر رأيه، ومنع نقل المقام من مكانه، واستشاره في بعض شئون توسعة الحرم المكي الشريف، وأخذ بمشورته ، هذا الي جانب مواقفة في رد الشبهات عن الإسلام والقرآن وسيدنا رسول الله ?، وتقديمِ ردود عقلانية ومنطقية عليها من خلال لقاءات إعلامية وميدانية مع شرائح المجتمع المختلفة.
اعتلي الشيخ العديد من المناصب منها منصب وزير الأوقاف وشئون الأزهر وعضوية مجمع البحوث الإسلامية ومجمع اللغة العربية، ومجلس الشورى، إضافة إلى العديد من المناصب التي عُرضت عليه واعتذر عنها؛ تفرغًا للعلم والدعوة وخدمة المُحتاجين ، حتي توفاه الله في 17 يونيو عام 1998 عن عمر يناهز 87 عاما رحم الله الشيخ الجليل الذي أفنى عمره لله وفي الله وبالله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته والحقنا به علي خير .
وتبقي كلمة
*أفضل لحظات الصدق مع النفس هي أن يعترف الإنسان بعيوبه وأخطائه ويصححها قال صلى الله عليه وسلم "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" فالاعتراف بالخطأ فضيلة ومن شيم الكبار ، والإعتذار عنه فضيلة أخرى، وكلاهما فضيلتان مهمتان لنيل الصلاح والفلاح وخلاصة تجربتي أنني وجدت الحياة كالطريق الملتف، كل شيء تفعله سيعود إليك يوماً ما فإذا ألقيت حجراً فيه فمن الممكن أن تتعثر فيه وإذا أزحته عن الطرق فستأمن وغيرك السير فيه مرة أخري ، لذا افعل كل ما هو خير وجميل فهو مردود إليك و قل "اللهُم خيرًا في كلّ اختيار، ونورًا في كل عتمة وتيسيرًا لِكل عسير، وواقعًا لِكل ما أتمنى، اللهم بحجم جمال جنتك أرني جمال القادم في حياتي وحقق لي ما أتمنى، واشرح لي صدري ويسر لي أمري, اللهم إني أسألك زيادة في الدين وبركة في العمر وصحة في الجسد وسعة في الرزق، وتوبة قبل الموت وشهادة عند الموت، ومغفرة بعد الموت وعفواً عند الحساب وأماناً من العذاب، ونصيباً من الجنة، اللهم اغفر لي ولوالدي ولأصحاب الحقوق علي وللمؤمنين والمؤمنات ,ولا تحرمنا النظر إلى وجهك الكريم " آمين يارب العالمين.
عمرو صبري