إخلاص النية وكيفية معالجة الوسوسة والإسراف على النفس عند أداء الطاعات
تعريف القصد والعزم :
القصد يعني توجه المرء إلى العمل ، والعزم يعني انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض جلب نفع أو منع ضرر ، أو اعتقاد القلب وتوجهه نحو فعل شيء وعزمه عليه من غير تردد ، أو كما يقول صاحب الكشاف : النية هي الإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء وجه الله تعالى وامتثالا لحكمته ، والنية تنقسم إلى قسمين : الأول القصد وهو إرادة الفعل حالاً، والثاني وهو إرادة الفعل مستقبلاً .
الريــــــاء :
يمثل الرياء خطراً كبيراً على إيمان المسلم وأوضح مثال على ذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم في حق الثلاثة الذين تُسعَّر بهم النار ، فأولهم المقتول في سبيل الله والمتصدق بماله وقارئ القرآن ، حيث يقول الله تعالى لكل واحد منهم : كذبت ، ويقول للمقتول : بل أردت أن يُقال فلان شجاع ويقول للمتصدق : بل أردت أن يُقال فلان جواد ويقول لقارئ القرآن : بل أردت أن يُقال فلان عالِم ، وقد قيل ، وذلك حسب قوله صلى الله عليه وسلم : ( فأولئك الثلاثة يدخلون النار ) وفي حديث آخر : ( إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : الرياء ) .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الوسوسة والإسراف على النفس – عند أداء الطاعات – يمكن معالجته بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وإعادة تأكيد النية خالصةً لوجه الله تعالى ، والإنسان العاقل هو من يوازن بين حاجة النفس للأمان في الدنيا وبين الأمان في الحياة الآخرة ، فلا يطيع النفس ويلبي لها كل ما تهواه من زينة الحياة الدنيا وتعتقد أنها تحافظ بها على سلامتها من الآفات وألا يكلف نفسه ما لا تطيق ، بل عليه أن ينقذها من سوء العاقبة في الآخرة حيث قال تعالى : [ ... ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ] ، وعليه أن يذكرها بالجائزة الكبرى لمن يطيع الله سبحانه وتعالى وهي أن تكون نفسه من النفوس المطمئنة التي قال فيها تعالى : [ يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ] .
ركَّز الإمام الغزالى على أهمية صدق النية في كل عمل نعمله ، ولا يتحقق الإخلاص والتقرب إلى الله تعالى إلّا بتجريد القصد عن جميع الشوائب ، فالله لا يقبل من الأعمال إلّا ما كان خالصا لوجهه الكريم ، ولكن ذلك لا يتعارض مع تعدد النوايا - حسب قوله - إلّا إذا كان له في مراده الآخر نية صالحة فعنئذ يُرجى أن يكون له ثواب في الفعل الأول والثاني ، بل كان بعض السلف الصالح حريصون على تعدد النوايا في الفعل الواحد ليزداد أجرهم .
أمثلة على تعدد النوايا الطيبة :
إذا صلى المؤمن على النبي صلى الله عليه وسلم بنية الحصول على الثواب من الله تعالى بالإضافة إلى القرب من سيدنا محمد يوم القيامة .
إذا أعطى اليتيم او المسكين صدقة بنية الحصول على الثواب من الله تعالى وينوي مع ذلك إدخال السرور عليهم مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه : ( أحب الأعمال إلى الله تعالى إدخال السرور على قلب مسلم ... ) .
إذا نشر المرء الأخبار السارة والمطمئنة بنية الرجاء من الله تعالى أن يجعله من عباده الصالحين والمصلحين وبنية إشاعة جو التفاؤل في المجتمع بدلا من جو القلق والقنوط عملاً بنصيحة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( بشروا ولا تنفروا ) .
النية في الإسلام :
إن المسلم يؤمن بخطر النية وأهميتها لقبول أعماله الدينية والدنيوية ، فتقوى أعماله أو تضعف ، وتصح وتفسد حسب نيته ، وإيمان المسلم بضرورة النية ووجوب الإخلاص فيها مستمد من قوله تعالى : [ وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ... ] وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) فالنظر إلى القلوب نظر إلى النيات ، إذ أن النية هي الباعث على العمل والدافع إليه .
ومن أفضال النية الصالحة أنه بمجرد همَّ العبد بعمل الصالح من الأعمال يثبت له الأجر وتحصل به المثوبة وإن لم يتمكن من عمله لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَن همَّ بحسنة ولم يعملها كُتبت حسنة ) ، وللحديث الشريف عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرءٍ ما نوى ... ) ، وهذا الحديث الشريف أحد الأحاديث الشريفة التي يدور عليها بناء الإسلام واتفق قول جماعة من علماء الأمة - ومن بينهم الإمام احمد ابن حنبل – على أنه يمثل ثلث أصول الإسلام .
لا بد أن تكون نية المرء الذي يعمل عملاً صالحاً موافقة لشرع الله تعالى ، أما من كانت نيته غير ذلك فلا يُقبل عمله وإن بدا أنه عملٌ صالح ، ومثال على ذلك مسجد الضرار ، فبناء المساجد من أعظم القربات إلى الله تعالى ولكن بسوء النية لم يُقبل هذا العمل بل أمر الله تعالى رسوله الكريم بعدم الصلاة فيه حسب ما جاء في سورة التوبة : [ لا تقم فيه أبداً ، لمسجد أُسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ... ] .
صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين .
المهندس / محمد موسى