الواحة

أبواب التفاؤل فى قاهرة المعز

برع خلفاء الدولة الفاطمية فى اختيار اسماء المساجد والأعياد والمباني والأبواب ، وكانوا بذلك من رواد الإعلام الدعائي حتى سلبوا لُب كل المصريين ودخلوا قلوبهم ، فمن أسماء المساجد الكبيرة نجد فى مقدمتها: الأزهر، الأنور، الأقمر، الأفخر.. وأطلقوا على أبواب القاهرة أسماء التفاؤل ، فوجدنا فى السور الشمالي للمدينة: باب النصر وباب الفتوح ووجدنا باب الفرج وكان عرضه 10 أذرع ، وباب التوفيق ، أما باب زويلة فقد حمل اسم قبيلة زويلة وهى إحدى فرق الجيش الفاطمي التى قدمت إلى مصر بقيادة القائد جوهر الصقلي.ولأن القاهرة كانت محاطة بأكثر من سور لحمايتها كان لابد من إنشاء أبواب يدخل ويخرج منها الناس ، لهذا وجدنا أبواباً تحولت إلى شوارع وإلى ميادين مثل: شارع باب البحر – من ناحية باب الحديد – وشارع باب الخرق الذى تحول إلى ميدان باب الخلق ، وشارع باب الشعرية الذى تحول إلى ميدان باب الشعرية ، وشارع باب زويلة ، بل ووجدنا شارع بين السورين ، أى السور القديم الذى بناه جوهر الصقلي منشئ القاهرة ، وسور بدر الجمالى الذى استنجد الخليفة الفاطمى لحمايته وحماية القاهرة وإعادة الأمن والاستقرار إلى العاصمة.
مدينة القاهرة الفاطمية التي أنشأها جوهر الصقلي قائد جيش المعز لدين الله الفاطمي ووسعها بدر الجمالي وزير الخليفة المستنصربالله الفاطمي قبل حوالي الف عام . مساحتها 400 فدان، وضلعها من الشمال للجنوب طوله 1500 متر، ومن الشرق للغرب ???? متر، ويمكن تحديد موقعها الحالي كالتالي: الحد الجنوبي بموقعه الآن شارع أحمد ماهر تحت الربع سابقا وهو يبدأ بمديرية أمن القاهرة ويمتد شرقا حتى شارع الدرب الأحمر، وبهذا الحد باب زويلة أو بوابة المتولي.. وحدها الغربي شارع بورسعيد، والشمالي كان يقع على حافة ميدان باب الشعرية وبه باب النصر وباب الفـتـوح، والشرقي يمـتـد به الآن شارع صلاح سالم .
السور الغرض الأساسي منه هو حماية القاهرة من مداهمة الأعداء، وضمان نوع من العزلة والغموض والمهابة للخلفاء الفاطميين، ففي بدايته لم يكن فقط يقف كساتر معماري صلب في وجه الأعداء، ولكن أيضا في وجه أبناء البلد، فقد كان حراسه يقتنصون رأس كل من تسول له نفسه اجتيازه أو حتى الاقتراب منه. السـور بالطبع لم يكن حاجزا وإلا انقلب الغرض منه وأصبح سجنا بل كـان يفصل بين الخلفاء الفاطميين واعدائهم ورعاياهم، وكانت وسيلة الاتصال المتاحة هي الأبواب.
القاهرة كان لها أربعة أبواب أشهرها حتى اليوم باب زويلة ومن خلالها كان الخلفاء الفاطميون يطلعون على شكاوى وأحوال رعاياهم ومنازلة أعدائهم سواء بالخروج لمحاربتهم أو بالعـودة بأسـراهـم مكبلين بالأغلال، وفي اوقات السلام كانوا يستقبلون سفراءهم.
أبواب القاهرة الفاطمية الباقية حتى الآن هي باب زويلة وباب النصر وباب الفتوح ونبدأ التعرف على ملامحها وتواريخها بأشهرها وأكثرها جمالا وصلابة على المستوى المعماري وهو باب زويلة الذي يعرف على المستوى الشعبي باسم بوابة المتولى، وهو اسم احتار المؤرخون في اصوله فمنهم من أرجعه إلى أن والي القاهرة كان يجلس على باب زويلة للتعرف على أحوال وشكاوى رعيته . ومنهم من أرجعه إلى اعتقاد أهالي القاهرة بأن قطب الصوفية المتولي شئون مـصـر حسب تقسيم درجـات الصـوفـيـة الأربعـة كـان يتردد على باب زويلة لتلبية حاجاتهم.. و دللوا على ذلك بأن عامة أهالي القاهرة كانوا ينزعون خـرقـة من ملابس صاحب الحاجة سواء كانت شفاء من المرض أو زيادة في الرزق أو رفع ظلم الحكام، ويعلقونها بمسامير على باب زويلة، على اعتبار أن القطب حينما يزور الباب سيقضى حاجة صاحب الأثر أو الخرقة . أصول المبنى الحالي لباب زويلة ترجع إلى أمير الجيوش بدر الجمالي وزير المستنصر بالله الفاطمي، في عام 484هـ أعاد بناءه وتعليته ولكي يؤمنه جيدا من أي هجوم محتمل لأعداء الدولة  الفاطمية، شيد فوقه زلاقة كبيرة من حجارة الصوان بحيث إذا هجمت جيوش الأعداء على القاهرة لا تثبت قوائم الخيول على الـصـوان وقد ظلت هذه الزلاقة باقية بباب زويلة حتى هدمها السلطان الكامل نصر الدين محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وقيل ان سبب ذلك أنه مر عليها فاختل فرسة وزلف تسقط من فوقه على الأرض أمام حاشيته وبعض رعاياه ، ولکي يواري خجله من سقوطه أمام الناس صب جام غضبه على أحجار الزلاقة وأمر بهدمها فى الحال. والعنصر الجديد في هذه البوابة هو المقعد الذي وضع فوق عقد فتحة الباب، وكان المقعدُ مخصَّصًا للمراقبة العسكرية ، ولما ضُمت القاهرة إلى العواصم بسور واحد، استغلَّ المقعد لمراقبة الأسواق وخروج المحمل. وهذه البوابة لها شهرتها في التاريخ المملوكي والعثماني ؛ حيث شُنِق عليها الكثيرُ مِن الأمراء وكبار رجال الدولة، ولم يتوقَّف استخدامُها لتعليق رؤوس المشنوقين عليها إلا في عصر الخديوي إسماعيل.
باب الفتوح يقع بالقرب من ميدان باب الشعرية، وكان في بدايته حينما بناه جوهر الصقلى يقع جنوب موقعه الحالي بالقرب من المكان الذي كان يشغله قصر المعز لدين الله الفاطمي، وحينما وسع بدر الجمالي مساحة القاهرة نقله بالقرب من جامع الحاكم بأمر الله.
باب الفتوح أثناء حكم الفاطميين كان مخصصا لخروج جيوشهم للفتوحات أو لقتال الأعداء، وبعدهم كان يدخل منه سلاطين بني أيوب بملابس السلطنة ، وهى خلعة الخليفة العباسي، وكان السلطان يدخله راكبا فرسه وبـجـواره وزيره على فرس آخر يحمل فوق رأسه عهد الحكم الصادر من الخليفة العباسي للسلطان الأيوبي، وكان أول من دخله منهم صلاح الدين الأيوبي وقيل انه كان يرتدي جبة سوداء وطوقا من الذهب.
باب النصر يقع الآن بالقرب من باب الفتوح، وفي بدايته حينما بناه جوهر الصقلي كان أقرب لقلب القاهرة حيث الجامع الأزهر وقـصـر المعـز الذي في جانب من مكانه الآن جامع الحسين، وفي أيام الخليفة المستنصر بالله الفاطمي تمت زحزحته إلى الشمال بما يتناسب مع اتساع القاهرة في ذلك الوقت ، وقد كان مخصصا لدخول الجيوش الظافرة إلى القاهرة سواء التي انطلقت من مصر لمواجهة الأعداء الصليبين على أيام الفاطميين والأيوبين، أو الجيوش التي غزت مصر على أيام العثمانيين فقد دخل من باب النصر السلطان سليم الأول العثماني بعد انتصاره على طومان باي آخر سلاطين دولة المماليك، ومر من باب زويلة قبل أن يتوجه إلى بولاق .
ومن يومها صار ولاة مصر المعينون من قبل التاج العثماني في إسطنبول قبل أن يباشروا مهام عملهم يستمدون شرعيتهم من المرور وسط أمراء المماليك من باب النصر وباب زويلة .
وعندما عاد إبراهيم باشا من المعركة نودي في القاهرة سـبعـة أيام، وزين موكبه قبل أن يدخل القاهرة الفاطمية من باب النصر وعلى رأسه شعار الوزارة، ثم عاد إلى القلعة، ليكون آخر المشاهير الذين مروا ظافرين من أبواب القاهرة القديمة ، لتصبح أبواب القاهرة من المعالم الدالة على فخامة القاهرة الفاطمية وتاريخها الحافل.
سهام يوسف كمال